وأنا أراجع لائحة كتاباتي ، صادفت هذا الموضوع الذي سبق نشره قبل سنوات في عدد من المنتديات فارتأيت إعادة إدماجه في مدونة أوراق في الماء .....
العِصْيَان المدني
اعلم أن العنوان مثير للفضول وأعرف أن المِلَفّ الذي سأعرضه سيثير الجدل وقد يستفز البعض وقد يحفز البعض على التعقيب وأعلم كذلك أنه إما سيخلق نقاشا غنيا بالمعرفة من أجل خلق مَدّ وجزر لن يخلو في النهاية من فائدة وهذا في الحقيقة هو مبتغاي و هدفي وقد يكون مصيره في النهاية الإهمال أو حتى سلة المهملات ........ العِصْيَان المدني بمفهومه الواسع هو تعمد مواجهة الحكومة أو القوة الحاكمة بصمت وتجاهل وعدم الاستجابة لطلباتها مع تحمل غضب الخَصْم وما قد يستتبع ذلك من ردود الفعل وهو بالتالي مواجهة صامتة بين حكومة قوية تملك كل وسائل الترهيب والترغيب في مواجهة خَصْم عنيد ضعيف البنية لا يملك من قوة ولكن أكثر عزم وإصرار للوصول إلى الهدف المنشود فلنترك السياسة جانبا فهي ليست موضوعنا الآن بالطبع ..... العِصْيَان هنا مجاله الأسرة وميدانه ركن من أركان البيت والعلاقة فيه بين زوج وزوجة إلا إنه عِصْيَان مؤثر قد تتجاوز شرارته سقف الغرفة المضيئة أو المظلمة.... لتمتد إلى التأثير على القرارات المتخذة في ميدان العمل وتسيير دواليب إدارته أو الوزارة وتصريف شؤون العباد بل أحيانا يعد الوجه المخفي في العلاقات الدولية أومن ثناياه تنطلق الإشارات المستعيرة لإشعال فتيل الحرب أو أداة إطفائها ........ أعلم الآن أن قصدي قد فهم فهو تأثير الزوجة ...... على تصرفات الزوج بل على مبادئه في أحيايين كثيرة، فهو بداية المسئول الفعلي على تصريف شؤون العرين كأسد وهي كغزالة لكن وفي رحاب الحلبة المغلقة قد تتغير الأدوار فجأة ليصبح خروفا وديعا وتصبح لبؤة جميلة تملي شروط و يقسم بأغلظ الأيمان أنه سينفد بمجرد طلوع شمس اليوم الموالي.وهدا قد يتمظهر في صور وأشكال عدّة نختار منها بعض الصور على سبيل الذكر لا الحصر الصورة الأولى • أسرة محافظة لكن....... الحاج فلان رجل معروف باستقامته مواظب على صلاته يرتاد المسجد باستمرار لم يبلغ بعد سن التقاعد، زوجته في الربعينيات من عمرها صالحة متمسكة بلباسها المحتشم رزقه الله ببنتين جميلتين وولد يتراوح سن البنتين بين الرابعة عشرة و الثمانية عشر عاما، أما الولد فهو آخر العنقود بلغ سن العاشرة، على العموم أسرة ملتزمة بامتياز، وتتحلى بأخلاق راقية، كذلك الأبناء مجدين نابغين في الدراسة، إلى هنا كل شيء مثالي جميل. حلت العطلة الصيفية وأجواء الصيف. العطلة اجتنابا للحرج وبناء على قناعات الأبُّ الخاصة و التي قد تكون مقنعة للبعض و شاذة بمفهوم آخرين، اعتادت الأسرة قضائها في الريف أو في الجبل لكن هذه السنة وتحث تأثير مغرِيات الدعاية والرغبة في التغيير واكتشاف سحر البحر في أجواء الحرارة من جهة و سحر الشواطئ من جهة ثانية أوعز الأولاد لأمهم بضرورة إقناع الحاج بالترخيص لهم بالذهاب للبحر ....أمهم تعلم علم اليقين موقف الأبُ فهو لا يحرم الشاطئ ولكنه يفضل اجتناب ما يروج فيه من مظاهر الجرأة التي يعتبرها نوع من التفسخ ... وهو بذلك لن يلبي طلبهم ورغم دلك فهي سوف تحاول.... غضب الحاج و أرعد وأزبد وأقسم بأغلظ الأيمان وواصلت هي استعطافها و توسلاتها دون جدوى لجأت بعدها إلى سلاح العِصْيَان المدني حيث عم الصمت بينهما وبالغت من ادعاءات المرض و الإعياء والنوم العميق وأعيته الوحدة وكثرة التقلبات على سرير يقتسمه مع زوجة توليه ظهرها متجاهلة لحاجياته انتهى به المطاف في النهاية إلى السخط على البحر ومائه ورطوبته ثم طلب الود من رفيقته بعد أن تعهد بتلبية الطلب وزف الخبر في اليوم الموالي للأولاد… والتنازل دائما يبدئ من الخطوة الأولى أو من الدرج الأعلى فالذي يليه وقد يستمر النزول إلى الأسفل وأحيانا في غيابات الحفر المظلمة وصلت الأسرة المحترمة إلى الشاطئ المملوء برواده وفي هذا الموطن مع الأسف تتعطل لغة الكلام و تختفي القيم و المبادئ وهكذا يخلع الابن لباسه ويرتمي في أحضان البحر و تخلع الأختان كل لباسهما و تتبعانه ويبقى الأبُ و الزوجة داخل الخيمة أو تحت المظلة وهي تمني النفس أن يرخص لها الحاج باللحاق بابنتيهما قصد البقاء بقربهما احتمالا لكل طارئ ولو بنصف لباسها المحتشم ويتردد الأبُ وتلمح له باستئناف العِصْيَان، فتكتمل الصورة بأسرة محترمة و مجردة من لباسها … الصورة الثانية • عرسنا و عرسهم .... هي نفس مواصفات الأسرة السابقة ...تستعد للاحتفال بزفاف ابنها الوحيد... الأم تريده حفلا كبيرا في خيمة واسعة تنصب وَسَط الشارع عرسا مختلطا كله موسيقى وطرب ورقص وغناء و هو يريده حفلا يقام في قاعة الضيوف وهي كبيرة تسع ثماني طاولات يحيط بكل طاولة عشرة أشخاص تحييه فِرْقَة للأناشيد و مقرئ لآيات من الذكر الحكيم ثم يختم بموعظة ...طال الخلاف بينهما وتعدد الوسطاء دون جدوى ....وفي النهاية لجأت للعصيان المدني قاوم وقاوم بل هجر مضجعه والتحق بغرفة نوم الضيوف ... ابتسمت بصمت ابتسامة الظافر وهي مغمضة العينين تتظاهر الاستغراق في نوم عميق على جنبها الأيسر، دخل خلسة و تمدد بقربها ثم وضع يده اليمنى على ذراعها ورفع بالأسرى رايته البيضاء.... بعد عقد الصلح اتفقا على حل وَسَط يقضي باختيار يوم جمعة للحفل الديني و يوم سبت للموسيقى و الفخفخة... كان يوم جمعة بهيج حضره العقلاء من الجيران و العائلة كله ذكر وقراءة وموعظة دام من بعد صلاة العشاء إلى منتصف الليل ثم اختتم بالدعاء الصالح للعريس و العروس و الأبوين...........في حين كان حفل السبت ليلة صاخبة أزعجت جميع الجيران بمكبر الصوت والغناء والموسيقى الماجنة والسكارى امتدت إلى ما بعد صلاة الفجر. التحقت به وهو يستعد للخروج إلى المسجد لتخبره أنها سترافق العريسين في موكب سيارات للقيام بجولة في المدينة ثم في الكورنيش مع ما سيتخلل دلك من ضوضاء مزامير السيارات...ويتردد الأبُ ويتمتم مستنكرا بصوت مسموع و تهمس في أدنيه باستئناف العِصْيَان المدني فتكتمل الصورة بأسرة محترمة انزلقت في أعراس الجهلاء. الصورة الثالثة • الضرورات تبيح المحظورات لكن .... يجمعهما بيت واسع ورثه عن أبيه، طالبته مرارا بضرورة تجديد الأثاث والأفرشة لكنه دائما يماطل ويؤجل بدعوى غياب الاعتمادات ظلت رغم ذلك ترن في أدنيه دون جدوى وأخيرا استسلم بعد جولة أو جولتين من العِصْيَان آلمشؤوم، فيجدد كل أثاث البيت و الأفرشة بعد توقيعه على كمبيالات للتسديد بالتقسيط .....إلا أن راتبه الشهري لم يمكنه من مواجهة مصاريف البيت و أداء الكمبيالات مما جعله بالتالي عاجزا عن الوفاء بالتزاماته وأمام ضغط وتهديدات الدائنين اضطر اللجوء إلى مؤسسات الاقتراض رغم اعتراضه الدائم التعامل مع هذه المؤسسات إلا أنه هذه المرة برر ذلك بكونه مضطر فرهن البيت الذي يملك ..وبذلك زاد الطين بله حيث إن عجزه عن الوفاء بالتزاماته عرض البيت للبيع بالمزاد العلني ... و بينما هو مطأطئ يفكر في ماآل إليه حاله ويسترجع شريط الأحداث وعن السبب والمسبب وكيف الخلاص جاءته تخبره أن التلفاز تعطل يجب إصلاحه ....لامجيب....ترددت قليلا قبل أن تعود لمعاودة قطع حبل أفكاره وتخبره أنها مدعوة لعقيقه وتحتاج لمال قصد شراء الهدية و شراء كسوة تليق بها لحضور الحفل.....تجاهلها....كررت الطلب بإلحاح .... أجهرت مسدس سلاحها بالعصيان المدني أجابها وهو يجهش باكيا أنت طالق ...أنت طالق...أنت طالق.... خاتمة أستسمح كل زوجة مخلصة فهذه صور من نسج خيالي وقصدي من سردها أن الزوجة هي الأنيس وهي الأم وهي الأخت إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، بها وحدها يستقيم شأن البيت بكل ما يحويه من زوج وأبناء، وحقيقة لها تأثير قوي على زوجها كيفما كانت صلابته ومبادئه، لذلك قيل وراء كل عظيم امرأة .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق