الجمعة، 18 ديسمبر 2020

عتب على كورونا اللعينة

عاد وسيم إلى البيت مبتهجًا ليُزف إلى زوجته الخبر الجميل: "والديَ تمكنا من حجز تذاكر السفر بعد أن تم رفع الحجر الصحي جزئيًا، وبعد أن أجريا فحوصات أثبتت خلوهما من فيروس كورونا". سألته زوجته بفرح وسرور: "ومتى سيصلان إلى المغرب؟

أجابها: "مبدئيًا، طائرتهما ستقلع من مطار باريس شارل ديغول يوم الخميس القادم، أي بعد أسبوع من اليوم، على الساعة الثامنة صباحًا بتوقيت فرنسا، التاسعة بتوقيت المغرب، وتصل حوالي الحادية عشرة، أي الثانية عشرة بتوقيت المغرب. إلا أنهما سيخضعان لحجر مؤقت بالمغرب في أحد فنادق الدار البيضاء لمدة أربع وعشرين ساعة. على العموم، سنذهب لأخذهما من الفندق يوم الجمعة بعد المقبل على الساعة الثانية بعد الزوال".

سعدت سميرة بهذا الخبر، خاصة أنها لم تلتقِ بأبوَي وسيم من قبل، بسبب جائحة كورونا. لذلك، شرعت بسرعة في إعداد الترتيبات الضرورية لاستقبال هذين الضيفين المهمين، فبدأت الأشغال على قدم وساق في إعادة تلميع البيت، تغيير الديكورات، اختيار ملابس الاستقبال وملابس الجلوس مع الضيوف، شراء هدايا متنوعة للأم أولًا ثم للأب، وكذلك التفنن في اختيار أنواع الطبخ والحلويات طوال مدة الضيافة التي قد تستغرق أسبوعًا إلى عشرة أيام حسب وسيم.

المهم أن كل شيء يسير على ما يرام، ولم تشعر سميرة إلا وقد انقضت الأيام العشرة، وحل اليوم الذي ستستقبل فيه ضيفيها. لم تعد تفصلها إلا ساعات محدودة عن الذهاب إلى الفندق. دقت عقارب الساعة الثانية عشرة، والغداء مُعد، وقاعة الاستقبال جاهزة. الساعة الواحدة، ووسيم في الحمام، وسميرة ارتدت أحسن ما عندها وتُعد اللمسات الأخيرة قبل الخروج. عند المراجعة، اكتشفت عددًا من العيوب والثغرات التي يجب إعادة ترتيبها. الوقت لا يرحم، وساعة الصفر على وشك الوصول.

يرن جرس الباب، تهب سميرة مرتبكة ومنزعجة، فالطارق قد يأخذ منها وقتًا هي في أمس الحاجة إليه. تفتح الباب بسرعة، لتلاقي شخصين: رجل وامرأة. تبادر المرأة إلى التحية: "السلام عليك بنيتي، آسفة على الإزعاج. نبحث عن شقة ولد رقو".

تجيب سميرة بسرعة: "لا أعرفه"، وتهتم بإغلاق الباب، لتعاجلها المرأة بأدب: "بل قيل لنا إنه يسكن في الطابق الأول لهذه العمارة يا بنيتي".

ترد سميرة: "لا يا سيدتي، قد يكون في الطابق الأعلى". تغلق الباب بسرعة لتعود لإتمام ما كانت بصدده.

يعود الجرس ليرن من جديد: "السلام عليك بنيتي، آسفة على الإزعاج. نبحث عن...". تقاطعها سميرة برنة غضب: "شقة ولد رحو أورقو أليس كذلك؟"

تجيب المرأة: "آه، تعرفينه؟ لقد أرشدتني سيدة بالطابق الأول إلى بيتكم هنا بالطابق الثاني".

تشرح سميرة: "لقد طرقت الباب قبل لحظات ووجهتك إلى الثاني".

ترد المرأة: "فعلًا، أخذتُ المصعد لذات الغرض".

تعتذر سميرة: "عفوًا سيدتي، فقد ضغطت على الزر رقم واحد عوض اثنين، وبذلك لم يتحرك المصعد وأنت عدت إلى نفس الشقة".

يشير الرجل بيده شاكرًا: "عتب على النظر بنيتي، سنعود للمصعد اللعين".

تغلق سميرة الباب وتعود متضايقة لما يحصل. الوقت لم يعد في صالحها. يرن الجرس ثانية وثالثة ورابعة، وسميرة تستمر في غض الطرف، فالوقت لم يعد يحتمل مزيدًا من الضياع.

خرج وسيم من غرفته وبيده أوراق ومفاتيح السيارة، مستغربًا لهذا الصوت المتوالي بوتيرة متصاعدة من جرس الباب، وهو في طريقه يستعجل زوجته في اللحاق به إلى موقف السيارات. تنشغل سميرة بإغلاق النوافذ وتلميع المظهر، ليتناهى إلى سمعها جلبة وصراخ يتصاعد بالباب ويتوغل إلى المدخل.

ظهرت الزوجة في المشهد الخلفي وهي حائرة مندهشة، ليبادرها وسيم: "يا حبيبتي، هذه رقية أمي، ونحن كنا ندلعها برقو، وأنا كنت معروفًا بين الأقران والمعارف بولد رقو". تسمرت المسكينة في مكانها، المفاجأة شلت حركتها، فبادرتها الحماة إلى العناق والتقبيل.

قالت الحماة: "لا عتب عليك يا بنيتي، فهذه مزحة من مزاحات كورونا اللعينة". بعدها أخبر الحاج ابنه بأن الحظر الصحي عنهما والفريق المرافق قد تم رفعه ساعات قبل الموعد، ورقية أصرت أن نأخذ تاكسي صغير لتفاجئكما وتحضنكما في شقتكما، فهي صاحبة الفكرة وصاحبة النص المسرحي..

ليست هناك تعليقات:

و بسرعة البرق تمضي الحياة

نص جميل خطر ببالي أدهلني ، تركت كل ما بيدي لأعيد صياغته وكأني  باليوم بدء  للتو ..... الساعة السادسة مساءً بسرعة بالكاد وصل يوم الاثنين ن...