الاثنين، 9 أغسطس 2021

العصيان المدني

 وأنا أراجع لائحة كتاباتي ، صادفت هذا الموضوع الذي سبق نشره قبل سنوات في عدد من المنتديات فارتأيت إعادة إدماجه في مدونة أوراق في الماء .....

العِصْيَان المدني  

اعلم أن العنوان مثير للفضول وأعرف أن المِلَفّ الذي سأعرضه سيثير الجدل وقد يستفز البعض وقد يحفز البعض على التعقيب وأعلم كذلك أنه إما سيخلق نقاشا غنيا بالمعرفة من أجل خلق مَدّ وجزر لن يخلو في النهاية من فائدة وهذا في الحقيقة هو مبتغاي و هدفي وقد يكون مصيره في النهاية الإهمال أو حتى سلة المهملات ........ العِصْيَان المدني بمفهومه الواسع هو تعمد مواجهة الحكومة أو القوة الحاكمة بصمت وتجاهل وعدم الاستجابة لطلباتها مع تحمل غضب الخَصْم وما قد يستتبع ذلك من ردود الفعل وهو بالتالي مواجهة صامتة بين حكومة قوية تملك كل وسائل الترهيب والترغيب في مواجهة خَصْم عنيد ضعيف البنية لا يملك من قوة ولكن أكثر عزم وإصرار للوصول إلى الهدف المنشود فلنترك السياسة جانبا فهي ليست موضوعنا الآن بالطبع ..... العِصْيَان هنا مجاله الأسرة وميدانه ركن من أركان البيت والعلاقة فيه بين زوج وزوجة إلا إنه عِصْيَان مؤثر قد تتجاوز شرارته سقف الغرفة المضيئة أو المظلمة.... لتمتد إلى التأثير على القرارات المتخذة في ميدان العمل وتسيير دواليب إدارته أو الوزارة وتصريف شؤون العباد بل أحيانا يعد الوجه المخفي في العلاقات الدولية أومن ثناياه تنطلق الإشارات المستعيرة لإشعال فتيل الحرب أو أداة إطفائها ........ أعلم الآن أن قصدي قد فهم فهو تأثير الزوجة ...... على تصرفات الزوج بل على مبادئه في أحيايين كثيرة، فهو بداية المسئول الفعلي على تصريف شؤون العرين كأسد وهي كغزالة لكن وفي رحاب الحلبة المغلقة قد تتغير الأدوار فجأة ليصبح خروفا وديعا وتصبح لبؤة جميلة تملي شروط و يقسم بأغلظ الأيمان أنه سينفد بمجرد طلوع شمس اليوم الموالي.وهدا قد يتمظهر في صور وأشكال عدّة نختار منها بعض الصور على سبيل الذكر لا الحصر الصورة الأولى • أسرة محافظة لكن....... الحاج فلان رجل معروف باستقامته مواظب على صلاته يرتاد المسجد باستمرار لم يبلغ بعد سن التقاعد، زوجته في الربعينيات من عمرها صالحة متمسكة بلباسها المحتشم رزقه الله ببنتين جميلتين وولد يتراوح سن البنتين بين الرابعة عشرة و الثمانية عشر عاما، أما الولد فهو آخر العنقود بلغ سن العاشرة، على العموم أسرة ملتزمة بامتياز، وتتحلى بأخلاق راقية، كذلك الأبناء مجدين نابغين في الدراسة، إلى هنا كل شيء مثالي جميل. حلت العطلة الصيفية وأجواء الصيف. العطلة اجتنابا للحرج وبناء على قناعات الأبُّ الخاصة و التي قد تكون مقنعة للبعض و شاذة بمفهوم آخرين، اعتادت الأسرة قضائها في الريف أو في الجبل لكن هذه السنة وتحث تأثير مغرِيات الدعاية والرغبة في التغيير واكتشاف سحر البحر في أجواء الحرارة من جهة و سحر الشواطئ من جهة ثانية أوعز الأولاد لأمهم بضرورة إقناع الحاج بالترخيص لهم بالذهاب للبحر ....أمهم تعلم علم اليقين موقف الأبُ فهو لا يحرم الشاطئ ولكنه يفضل اجتناب ما يروج فيه من مظاهر الجرأة التي يعتبرها نوع من التفسخ ... وهو بذلك لن يلبي طلبهم ورغم دلك فهي سوف تحاول.... غضب الحاج و أرعد وأزبد وأقسم بأغلظ الأيمان وواصلت هي استعطافها و توسلاتها دون جدوى لجأت بعدها إلى سلاح العِصْيَان المدني حيث عم الصمت بينهما وبالغت من ادعاءات المرض و الإعياء والنوم العميق وأعيته الوحدة وكثرة التقلبات على سرير يقتسمه مع زوجة توليه ظهرها متجاهلة لحاجياته انتهى به المطاف في النهاية إلى السخط على البحر ومائه ورطوبته ثم طلب الود من رفيقته بعد أن تعهد بتلبية الطلب وزف الخبر في اليوم الموالي للأولاد… والتنازل دائما يبدئ من الخطوة الأولى أو من الدرج الأعلى فالذي يليه وقد يستمر النزول إلى الأسفل وأحيانا في غيابات الحفر المظلمة وصلت الأسرة المحترمة إلى الشاطئ المملوء برواده وفي هذا الموطن مع الأسف تتعطل لغة الكلام و تختفي القيم و المبادئ وهكذا يخلع الابن لباسه ويرتمي في أحضان البحر و تخلع الأختان كل لباسهما و تتبعانه ويبقى الأبُ و الزوجة داخل الخيمة أو تحت المظلة وهي تمني النفس أن يرخص لها الحاج باللحاق بابنتيهما قصد البقاء بقربهما احتمالا لكل طارئ ولو بنصف لباسها المحتشم ويتردد الأبُ وتلمح له باستئناف العِصْيَان، فتكتمل الصورة بأسرة محترمة و مجردة من لباسها … الصورة الثانية • عرسنا و عرسهم .... هي نفس مواصفات الأسرة السابقة ...تستعد للاحتفال بزفاف ابنها الوحيد... الأم تريده حفلا كبيرا في خيمة واسعة تنصب وَسَط الشارع عرسا مختلطا كله موسيقى وطرب ورقص وغناء و هو يريده حفلا يقام في قاعة الضيوف وهي كبيرة تسع ثماني طاولات يحيط بكل طاولة عشرة أشخاص تحييه فِرْقَة للأناشيد و مقرئ لآيات من الذكر الحكيم ثم يختم بموعظة ...طال الخلاف بينهما وتعدد الوسطاء دون جدوى ....وفي النهاية لجأت للعصيان المدني قاوم وقاوم بل هجر مضجعه والتحق بغرفة نوم الضيوف ... ابتسمت بصمت ابتسامة الظافر وهي مغمضة العينين تتظاهر الاستغراق في نوم عميق على جنبها الأيسر، دخل خلسة و تمدد بقربها ثم وضع يده اليمنى على ذراعها ورفع بالأسرى رايته البيضاء.... بعد عقد الصلح اتفقا على حل وَسَط يقضي باختيار يوم جمعة للحفل الديني و يوم سبت للموسيقى و الفخفخة... كان يوم جمعة بهيج حضره العقلاء من الجيران و العائلة كله ذكر وقراءة وموعظة دام من بعد صلاة العشاء إلى منتصف الليل ثم اختتم بالدعاء الصالح للعريس و العروس و الأبوين...........في حين كان حفل السبت ليلة صاخبة أزعجت جميع الجيران بمكبر الصوت والغناء والموسيقى الماجنة والسكارى امتدت إلى ما بعد صلاة الفجر. التحقت به وهو يستعد للخروج إلى المسجد لتخبره أنها سترافق العريسين في موكب سيارات للقيام بجولة في المدينة ثم في الكورنيش مع ما سيتخلل دلك من ضوضاء مزامير السيارات...ويتردد الأبُ ويتمتم مستنكرا بصوت مسموع و تهمس في أدنيه باستئناف العِصْيَان المدني فتكتمل الصورة بأسرة محترمة انزلقت في أعراس الجهلاء. الصورة الثالثة • الضرورات تبيح المحظورات لكن .... يجمعهما بيت واسع ورثه عن أبيه، طالبته مرارا بضرورة تجديد الأثاث والأفرشة لكنه دائما يماطل ويؤجل بدعوى غياب الاعتمادات ظلت رغم ذلك ترن في أدنيه دون جدوى وأخيرا استسلم بعد جولة أو جولتين من العِصْيَان آلمشؤوم، فيجدد كل أثاث البيت و الأفرشة بعد توقيعه على كمبيالات للتسديد بالتقسيط .....إلا أن راتبه الشهري لم يمكنه من مواجهة مصاريف البيت و أداء الكمبيالات مما جعله بالتالي عاجزا عن الوفاء بالتزاماته وأمام ضغط وتهديدات الدائنين اضطر اللجوء إلى مؤسسات الاقتراض رغم اعتراضه الدائم التعامل مع هذه المؤسسات إلا أنه هذه المرة برر ذلك بكونه مضطر فرهن البيت الذي يملك ..وبذلك زاد الطين بله حيث إن عجزه عن الوفاء بالتزاماته عرض البيت للبيع بالمزاد العلني ... و بينما هو مطأطئ يفكر في ماآل إليه حاله ويسترجع شريط الأحداث وعن السبب والمسبب وكيف الخلاص جاءته تخبره أن التلفاز تعطل يجب إصلاحه ....لامجيب....ترددت قليلا قبل أن تعود لمعاودة قطع حبل أفكاره وتخبره أنها مدعوة لعقيقه وتحتاج لمال قصد شراء الهدية و شراء كسوة تليق بها لحضور الحفل.....تجاهلها....كررت الطلب بإلحاح .... أجهرت مسدس سلاحها بالعصيان المدني أجابها وهو يجهش باكيا أنت طالق ...أنت طالق...أنت طالق.... خاتمة أستسمح كل زوجة مخلصة فهذه صور من نسج خيالي وقصدي من سردها أن الزوجة هي الأنيس وهي الأم وهي الأخت إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، بها وحدها يستقيم شأن البيت بكل ما يحويه من زوج وأبناء، وحقيقة لها تأثير قوي على زوجها كيفما كانت صلابته ومبادئه، لذلك قيل وراء كل عظيم امرأة .....

الجمعة، 30 يوليو 2021

لــــــــــــغـــــــــــــــــة الـــــــــــــعيـــــــــــــــــون


فن قراءة العيون من الفنون الشائعة التي يبرع فيها كل من ألف معايشة الناس بمختلف انتماءاتهم وميولاتهم وثقافتهم وهي لا تحتاج إلى ذكاء كبير أو قوة ملاحظة وهي بمثابة تيار كهربائي لقراءة الأفكار
ففي محادثاتنا اليومية أول ما يثير الانتباه هو حركة العيون وعليه تجدنا دوما نردد :فاش عينيك …عينيك ماعجبونيش ....هادوك العينين ماشي جديين ....العين الحمراء.ونحن نرمز للعين الحمراء بدخول الأمور مرحلة الجِدّ والحسم ...وهناك حركية العين بالنظر إلى الأسفل دليل حياء…والأعلى دليل عن الحَيْرَة أو أللامحدود دليل على التيه... ومن كل ذلك يمكن للرائي تَرْجَمَة موقف ونفسية مخاطبه
وهي لغة تحاور بين العيون بدل اللسان لها مفرداتها وقواميسها الخاصة المعبرة عن الحب أحيانا وعن الكراهيَة أحيانا أخرى ثم الغضب أو الخوف بل حتى الحزن والفرح
والعين يحكمها اللاشعور أحيانا فهي تترجم ما يحسه القلب من حزن وفرح فالعين تدمع لفقدان عزيز مات أو عند توديع قريب في سفر طويل وهده بديهيات معاشه...يبقى التساؤل الغريب كيف تتمكن زوجتي مثلا من معرفة أني أخفي شيئا ما أو أحمل هما يؤرقني بمجرد النظر في عيوني ...بل وأنا طفل كيف أفهم من قراءة حركية عين أبي أنه سيرفض لي طلب ...وكيف يعرف الخطيب أن خطيبته لم تعد راغبة في عقد قرانهما من خلال عينيها…وكيف تعرف أن زميلك في العمل يريدك أن تأخذ مكانه في العمل لأن له مشاغل شخصية.....وكيف ترفض العين أن يغمض لها جَفْن…
وهنا تكمن الصعوبة...وهنا يستعصي فهم هده الرموز ...وينطلق فن قراءة العيون
من هنا أجدني مضطر أن أنسل وكل أملي أن يكون هدا الطرح مادة للنقاش بين دوي الاختصاص، أو أصحاب التجارِب في مجال فهم لغة العيون



الأربعاء، 10 فبراير 2021

تعب كلها الحياة

 

أعرف أن الكثير منا ستروقه هذه القصيدة لأبي العلاء المعري، وأعتقد كذلك أن القليل منا ستكون له سَعَة صدر وصبر لقراءة محتوياتها كلها، لكن إعجابي بها وكل بيت من أبياتها يدفعني أن يكون لي شرف نشرها على صفحتي و عرضها كدلك في مدونتي، علما بأن كل بيت قرأ هو شاف ومقنع وقد يكون مستقل عن ما قبله أو التالي، بل كل بيت هو قصيدة منفصلة أو رواية متكاملة المعاني بل فلسفة قائمة الذات

قراءة ممتعة أرجوها للكل محبي الشعر الجميل

غيرُ مُجدٍ في ملّتي واعتقادي نوحُ باكٍ ولا ترنّمُ شادِ

وشبيهٌ صوتُ النعيِّ إذا قيـس بصوتِ البشيرِ في كل نادِ

أبكت تلكمُ الحمامةُ أم غنَّت على فرع غصنها الميّادِ

صاحِ! هذي قبورنا تملأ الرحبَ, فأين القبورُ من عهدِ عادِ?

خفِّفِ  الوَطْأ ما أظنُّ أديمَ الأ رضِ إلا من هذه الأجسادِ

وقبيحٌ بنا وإن قَدُمَ العهـدُ هوانُ الآباء والأجدادِ

سِرْ إن  استطعتَ في الهواء رويدًا لا اختيالاً على رفات العبادِ

رُبَّ لحدٍ قد صار لحدا مرارا ضَاحِكٍ من تزاحمِ الأضدادِ

ودفينٍ على بقايا دفينٍ في طويلِ الأزمانِ والآبادِ

فاسأل الفرقدين عمن أحسّا من قبيلٍ وآنسا من بلادِ

كم أقاما على زوال نهارٍ وأنارا لمُدلج في سوادِ

تعبٌ كلها الحياةُ, فما أعـجبُ إلا من راغبٍ في ازديادِ

إن حُزنًا في ساعةِ الموتِ أضعاف  سرورٍ في ساعةِ الميلادِ

خُلق الناسُ للبقاءِ فضلَّت أمةٌ يحسبونَهُم للنفادِ

إنما يُنقلون من دار أعما ل إلى دارِ شقوةٍ أو رشادِ

ضجعةُ الموتِ رقدةٌ يستريحُ الـجسمُ فيها والعيشُ مثلُ السهادِ

أَبناتِ الهديلِ أسعِدْنَ أو عِدْ نَ قليلَ العزاء بالإسعادِ

إيه لله درُّكُنَّ فأنتن اللواتي تُحسِنَّ حفظَ الودادِ

ما نسيتُنَّ هالكًا في الأوان الـخالي أودى من قبل هُلكِ إيادِ

بيد أني لا أرتضي ما فعلتن وأطواقكن في الأجيادِ

فتسلَّبن واستعرن جميعا من قميص الدجى ثياب حدادِ

ثم غردن في المآتم واندبـن بشجوٍ مع الغواني الخرادِ

كلُّ بيتٍ للهدمِ ما تبتني الورْقاء والسيدُ الرفيع العمادِ

والذي حارَتِ البريةُ فيه حيوانٌ مستحدثٌ من جمادِ

واللبيبُ اللبيبُ من ليس يغترُّ بكونٍ مصيرُهُ للفسادِ

الجمعة، 18 ديسمبر 2020

عتب على كورونا اللعينة

عاد وسيم إلى البيت مبتهجًا ليُزف إلى زوجته الخبر الجميل: "والديَ تمكنا من حجز تذاكر السفر بعد أن تم رفع الحجر الصحي جزئيًا، وبعد أن أجريا فحوصات أثبتت خلوهما من فيروس كورونا". سألته زوجته بفرح وسرور: "ومتى سيصلان إلى المغرب؟

أجابها: "مبدئيًا، طائرتهما ستقلع من مطار باريس شارل ديغول يوم الخميس القادم، أي بعد أسبوع من اليوم، على الساعة الثامنة صباحًا بتوقيت فرنسا، التاسعة بتوقيت المغرب، وتصل حوالي الحادية عشرة، أي الثانية عشرة بتوقيت المغرب. إلا أنهما سيخضعان لحجر مؤقت بالمغرب في أحد فنادق الدار البيضاء لمدة أربع وعشرين ساعة. على العموم، سنذهب لأخذهما من الفندق يوم الجمعة بعد المقبل على الساعة الثانية بعد الزوال".

سعدت سميرة بهذا الخبر، خاصة أنها لم تلتقِ بأبوَي وسيم من قبل، بسبب جائحة كورونا. لذلك، شرعت بسرعة في إعداد الترتيبات الضرورية لاستقبال هذين الضيفين المهمين، فبدأت الأشغال على قدم وساق في إعادة تلميع البيت، تغيير الديكورات، اختيار ملابس الاستقبال وملابس الجلوس مع الضيوف، شراء هدايا متنوعة للأم أولًا ثم للأب، وكذلك التفنن في اختيار أنواع الطبخ والحلويات طوال مدة الضيافة التي قد تستغرق أسبوعًا إلى عشرة أيام حسب وسيم.

المهم أن كل شيء يسير على ما يرام، ولم تشعر سميرة إلا وقد انقضت الأيام العشرة، وحل اليوم الذي ستستقبل فيه ضيفيها. لم تعد تفصلها إلا ساعات محدودة عن الذهاب إلى الفندق. دقت عقارب الساعة الثانية عشرة، والغداء مُعد، وقاعة الاستقبال جاهزة. الساعة الواحدة، ووسيم في الحمام، وسميرة ارتدت أحسن ما عندها وتُعد اللمسات الأخيرة قبل الخروج. عند المراجعة، اكتشفت عددًا من العيوب والثغرات التي يجب إعادة ترتيبها. الوقت لا يرحم، وساعة الصفر على وشك الوصول.

يرن جرس الباب، تهب سميرة مرتبكة ومنزعجة، فالطارق قد يأخذ منها وقتًا هي في أمس الحاجة إليه. تفتح الباب بسرعة، لتلاقي شخصين: رجل وامرأة. تبادر المرأة إلى التحية: "السلام عليك بنيتي، آسفة على الإزعاج. نبحث عن شقة ولد رقو".

تجيب سميرة بسرعة: "لا أعرفه"، وتهتم بإغلاق الباب، لتعاجلها المرأة بأدب: "بل قيل لنا إنه يسكن في الطابق الأول لهذه العمارة يا بنيتي".

ترد سميرة: "لا يا سيدتي، قد يكون في الطابق الأعلى". تغلق الباب بسرعة لتعود لإتمام ما كانت بصدده.

يعود الجرس ليرن من جديد: "السلام عليك بنيتي، آسفة على الإزعاج. نبحث عن...". تقاطعها سميرة برنة غضب: "شقة ولد رحو أورقو أليس كذلك؟"

تجيب المرأة: "آه، تعرفينه؟ لقد أرشدتني سيدة بالطابق الأول إلى بيتكم هنا بالطابق الثاني".

تشرح سميرة: "لقد طرقت الباب قبل لحظات ووجهتك إلى الثاني".

ترد المرأة: "فعلًا، أخذتُ المصعد لذات الغرض".

تعتذر سميرة: "عفوًا سيدتي، فقد ضغطت على الزر رقم واحد عوض اثنين، وبذلك لم يتحرك المصعد وأنت عدت إلى نفس الشقة".

يشير الرجل بيده شاكرًا: "عتب على النظر بنيتي، سنعود للمصعد اللعين".

تغلق سميرة الباب وتعود متضايقة لما يحصل. الوقت لم يعد في صالحها. يرن الجرس ثانية وثالثة ورابعة، وسميرة تستمر في غض الطرف، فالوقت لم يعد يحتمل مزيدًا من الضياع.

خرج وسيم من غرفته وبيده أوراق ومفاتيح السيارة، مستغربًا لهذا الصوت المتوالي بوتيرة متصاعدة من جرس الباب، وهو في طريقه يستعجل زوجته في اللحاق به إلى موقف السيارات. تنشغل سميرة بإغلاق النوافذ وتلميع المظهر، ليتناهى إلى سمعها جلبة وصراخ يتصاعد بالباب ويتوغل إلى المدخل.

ظهرت الزوجة في المشهد الخلفي وهي حائرة مندهشة، ليبادرها وسيم: "يا حبيبتي، هذه رقية أمي، ونحن كنا ندلعها برقو، وأنا كنت معروفًا بين الأقران والمعارف بولد رقو". تسمرت المسكينة في مكانها، المفاجأة شلت حركتها، فبادرتها الحماة إلى العناق والتقبيل.

قالت الحماة: "لا عتب عليك يا بنيتي، فهذه مزحة من مزاحات كورونا اللعينة". بعدها أخبر الحاج ابنه بأن الحظر الصحي عنهما والفريق المرافق قد تم رفعه ساعات قبل الموعد، ورقية أصرت أن نأخذ تاكسي صغير لتفاجئكما وتحضنكما في شقتكما، فهي صاحبة الفكرة وصاحبة النص المسرحي..

السبت، 19 سبتمبر 2020

مدفـــــــــــــون في الغربة

  فكرة هذه القصة استلهمتها من خلال مقتطف لحوار تناهى إلى مسامعي بين شخصين يحتلان طاولة غير بعيدة من تلك التي كنت أشغلها في إحدى مقاهي الرباط حسان، يحكي أحدهما للآخر عن سيدة من معارفه توفيت مند سنوات كانت تملك بقعة أرضية هنا بالجوار حين كان الماء و الخضرة  الطابعان الغالبان قبل أن تكتسحهما الأَسمنت و العمارات، وتحت إلحاح  أحد أبناءها باعت البقعة الأرضية بعدة ملايين  لـتأمين سفره للدراسة بالخارج وبعد مدة قصيرة تضاعفت قيمة الأرض  عشرات المرات لتعد بالملايير، وغاب الأبن ولم يعد فبقيت الأم تتحسر على الأرض التي ضاعت والابن الذي غاب ولم يعد......

انقطعت صلة وصلي بالمتحدثين بسبب تعديل دبدبة الصوت من المصدر ، لأجد قلمي ينسج مساره الخاص لهذه القصة........ 

****************************

جلس على السرير ووضع وجهه  بين كفيه للحظات، ثم اتكأ على جنبه الأيمن يبحث عن نظارتيه ليضعهما على أنفه ويطلق العِنان لبصره كي يتفحص المكان، ظل للحظة  يجول بنظره في قاعة فسيحة تضم ما يناهز أربعون سريرا، وأناس  تتطابق ملامحهم أو تختلف و تتباين أعمارهم وأشكالهم، ومنهم من لآزال  يغظ في نوم عميق ومنهم من يمتد على سريره ويدور برأسه يمينا وشمالا ومن يستعد للنهوض ومنهم من هو قائم يهم بالمغادرة، كما تسيطر على المكان جلبة وضوضاء ومهمهمات وشوشات بين المستيقظين.

 عاد و أخفى محياه بين راحتيه، وهو يتذوق المرارة و الألم لما آلت إليه وضعيتيه، ليجد نفسه في الأخير في مأوى للمشردين.

 يتذوق مرارة الانكسار وهو يتذكر يوم ألح على أمه ببيع الجزء من الأرض الذي تملكه و المطل على الوادي وهو نصيبها المتبقي من عطية زوجها لها ، ممنية النفس باستعادته  فور عودة أبنها عباس طبيب من فرنسا، ومتمنية كذلك بأن يفتح عيادة  تشتغل فيها أخته كممرضة و أخيه كمدير عيادة.   

يتذوق مرارة الهزيمة وهو يتذكر كيف انقلب شغفه ورغبته في الدراسة وتواصله المستمر مع عائلته طوال سنته الجامعية الأولى، إلى فقدان للتركيز وتبخر للحلم وتبدد للطموح وانطفاء لشعلة العودة بشهادة الدكتوراه.

يتذوق مرارة خيبته وهو يجد اسمه ضمن المفصولين من كُلْيَة الطب إثر حصوله على معدل تراكمي اقل من النسبة المحددة مع تجاوز سنوات الرسوب المسموح بها في سنتي التحضير

يتذوق مرارة حاله بالأمس و هو يمشي مترنحا ثملا بعد أن أفرط في الشرب كعادته رغم أنه أقسم مرارا أن لن يعود للشرب ثانية ليجد أن النزول إلى القبو  الذي يأويه أصبح مستحيلا بعد استبدال الباب بسور منيع من مشغله  لعجزه المستمر على تسديد ديونه بسبب استداناته المتراكمة  نتيجة إفراطه في الشرب وتبديد أجره في القمار.... و بعد أن ضاقت به الأرض  بما رحبت وسار بين الأزقة  ومداخل العمارات يبحث عن سقف أو مخبأ ينزوي فيه، صادفته سيارة الشرطة وقد تجاوز الليل منتصفه وبعد مراقبة وضعيته ووثائقه تم إيداعه في هذا المأوى.

وهو يتذوق هذه المرارات تناهى إلى سمعه صوت شابة ترتدي وزرة بيضاء لا يدري أهي ممرضة المركز أو المشرفة عليه، اتجه نحو الفتاة التي وجهته بدورها إلى أقرب باب كتب على واجهته طبيب ومدير المأوى .....

فسحت له للولوج ثم انصرفت بعد أن أوصدت الباب وراءها، ظل واقفا أمام المكتب، بينما الجالس  منشغل بين شاشة الكومبيوتر و المِلَفّ المودع أمامه، أحيانا يأخذ قلما و يكتب أشياء على ظهر المِلَفّ وأخرى يرفع رأسه نحو الواقف، ينظر إليه ويحدق في النظر تم يعود ليستغرق بين الكومبيوتر و الأوراق أعاد رفع رأسه والواقف بدأ يشعر بالدوران، دوران الحَيْرَة و دوران الجوع ودوران موقفه المحرج ثم استسلم لواقعه استسلام المهزوم المنكسر، وفي النهاية قام واقفا وأدن لعباس بالجلوس ثم نطق :

 Bonjour abbés, je suis le Docteur Albert janvier, dite FARAS, tu ne fais plus de foot je pense, mais qu’est ce qui ce passe, nous étions en premier année ensemble à la faculté de médecine et tu étais parmi les brillons de la classe, raconte-moi, qu’est-ce que ne vas pas.

ظل عباس صامتا مهدوما للحظات قبل أن يستعيد نوعا من رِباطَة الجأش ويحكي لزميله القديم في سنته الأولى أو الثانية، كيف هوت به الأقدار إلى نسيان الدراسة وا لتماهي مع انجرافات المتعة وكيف ضاعت به السنين بين المقاهي و المطاعم والكباريهات بين مبذر للمال وغاسل للأطباق.

جلس الطبيب و اعتدل في جلسته وأطرق يفكر واضعا رأسه على كف يده ثم نهض يدور في القاعة يمنة وشمالا ويداه خلف ظهره، عاد إلى كرسييه وسأل عباس

Tu as faim, sans aucun doute, depuis quand tu n'as pas mangé ?

لم ينبس ببنت شفه، كأنه لم يسمع، أو أن لسانه عجز عن الرد، عاد الطبيب للدوران في المكتب، فتح الباب وأشار إلى مساعدته بالاقتراب، همس في أدنيها همسا واستدار إليه يودعه

Jacqueline va s'occuper de toi….. dans un jour ou deux je te trouverai un travail, j'espère que je pourrais t'aider, allez à bientôt

*****************

الساعة قد تكون تجاوزت العاشرة ليلا، في جو شتوي بارد أغلب أحياء المدينة  نائمة أو تتسامر قرب مدفئة البيت  أو تجلب  الدفء من تحت غطاء متين.

المكان محطة حافلات النقل الحضري، المركبات تقوم بجولاتها الأخيرة قبل الركون في مستودعاتها لاستراحة قصيرة، الساحة تكاد تكون خالية إلا من بعض رواد الليل الذين بدؤوا السهر في ليل قد لا ينتهي عندهم إلا بظهور فجر اليوم الموالي …

 على كرسي من كراسي المحطة تجلس مسافرة وحيدة يظهر من زيها وملامحها وحقيبتها أنها طالبة عربية ...

في العمق من مدخل المحطة يظهر عباس بصورة توحي أنه تجاوز الأربعينيات من عمره، باليمنى يحمل مِكْنَسَة و بالشمال دلو أسود وعلى كثفه ثوب لمسح الأرضية، يقترب ببطء والتعب باد عليه يبلل الثوب وينشرها على الأرض ثم يمسح بطرفي المِكْنَسَة لمحو آثار التراب وأعقاب خُطا الأحذية.

الشابة الجالسة في الطرف الآخر تمعن النظر في الكناس وتتفحصه باهتمام، فحركاته تنم على أنه ينوء تحت هم ثقيل.

تهالك على أقرب كرسي وبدأ النعاس يتلاعب بجفونه، انتبه من سباته إلى الجالسة في الطرف الآخر التي لازالت تمعن النظر فيه وتتفحصه باهتمام، يقوم مسرعا من جلسته، يتوقف لحظة ثم بدأت تدور بخلده التساؤلات المرتابة...

-        من تكون هذه الشابة

-        ما بالها تتفحصني

-        لعلها مراقبة متنكرة في ثوب مسافرة

-        يا الآهي  لا ينبغي أن أفقد عملا شرعت للتو فيه

-        يا الآهي ماذا سأقول للدكتور Albert

ما هذه الخيبة التي تتبعني أينما حللت و ارتحلت 

ويستأنف عمله بنشاط متجدد وهو يسترق نظرات خاطفة نحو الشابة، وهي تتفحصه باهتمام يتزايد باستمرار، تفتح محفظتها، تأخذ ورقة وقلم، وتشرع في الكتابة، لعلها تحرر تقريرا ...

تزيد مخاوفه، وتزداد حركاته....وفجأة يقع في المحظور، يدوس قشرة موز فينزلق ويسقط أرضا، هو في جهة وعتاد العمل في الجهات الأخرى، أما النظارتين فهما في جهة غير معلومة …

يزيد اضطرابه وتزداد مخاوفه وتتضاعف هواجسه، ينبطح على الأرض بحتا عن النظارتين، فبدونهما لن يرى شيئا ....تندفع الطالبة نحوه، تساعده على الجلوس،  يرفع نظره اتجاهها ويقول بهمس  غير مسموع :

-        أيتها الشابة كوني رحيمة معي في تقريرك، فأنا حديث العهد بهذا العمل ...

تخرج من جيبها منديلا تمسح به النظارة تم تثبتها فوق أنفه و تعيد تفحص وجهه عن قرب، والدموع تكاد تسيل من خدها لكنها بدلت جهدا واضحا لإخفائها…

تقف الحافلة عند علامة التوقف والانطلاق، تركب الشابة الأوتوبيس، وعباس المسكين يتابعها بنظرة حائرة، تنطلق المركبة وعباس يتابعها، باهتمام وحيرة، ليراها للمرة الأخيرة وهي تتابعه من النافدة الخلفية للحافلة …، ينهض متثاقلا لاستئناف عمله، ينحني لتناول المِكْنَسَة، يسقط شيء منه، يبحث عنه، فإذا هو ظرف، يفتحه وهو يرتعش فهو لا محالة نسخة من التقرير، يجد داخله ورقة مكتوبة بخط عربي، يعاود الجلوس في مكانه، يملأه الفضول، يثبت نظارتيه أكثر ويشرع في القراءة ...

ابن عمي عباس، أنا حليمة ابنة أخوك، أمك رحمة الله عليها، كان أملها الأخير أن تراك طبيبا من خيرة الأطباء وأن تنجز حلمها في فتح عيادة طبية ، تكون آخر مفخرة لها قبل توديع الدنيا .....

بتوصية من المرحومة بحثت عنك كثيرا، استعصى علي أيجاد اسمك ضمن خريجي الكُلْيَة، فسرت أسأل عن دكتور عباس في مستشفيات وعيادات الناحية، دكتور Albert هو أستاذي المشرف على بحثي في طب التشرد وهو من هداني إلى مكانك .........

أعدك  بالنسبة للعائلة، أني لم أجدك ولم أستطيع التعرف عليك كي تبقى في ضميرهم ووجدانهم دكتور عباس الذي هاجر و لم يعد.......

يعيد القراءة عشرات المرات، ثم يضع الظرف في جيبه، ويسترخي في جلسته، فقدماه لم تعودا قادرتين على حمله،

يتنهد تنهيدة من الأعماق ..........................................ويمضي في نوم عميق 


قد يفيــــــــــــق منه وقد لا يفيــــــــــــــــــــــــق

   

الجمعة، 4 سبتمبر 2020

خاطرة آلمـــــتْني المواجِــــعُ

 

آلمتْني  المواجِعُ

فأنى صَددْتَ لنا مواجعُ

واحدةٌ تُضحك وأخرى تُبكي

وهلْ تُضحك و تُبكي المواجعُ

فتحتُ نافدتي عليِ

أترصد مصدر المواجعِ

وجدتها لنا، ومنا تلك المواجعُ

تسيل دماءنا رخيصةً

أليس فينا عرقٌ جامعُ؟

سار القتلُ فينا شريعةً

أبِالشرعِ تُنتهك الأعراضُ وتُقمعُ

حروبٌ بيننا ساريةٌ

فلا نخوة العُربِ، و لا دينٌ جامعُ

وجوعٌ في بطون بعضنا مستشرييٌ

وذخائرٌ تحت الأرض عليها يُتربعُ

تضيعُ كالماء  في الهواء متبخراً

 والباقي عند العدو  يُضخُ ويُجمعُ

 تبكي الصغارُ و الأرامل و اليتامى

وكدا الثكالى والشيوخُ و الرُضعُ

القاتلُ بقتل أخيه ضاحكٌ يتباهى

فلا أعينٌ تُبصِر ولا عقلٌ يَسمعُ

لا نأخذُ في بعضنا إلا ولا ذمة

ولا لِأشهُرِ الحرم لنا موانعُ

يستريح العدوُ، استراحةَ محاربٍ

فهو في صورةٍ حكمٌ، وفي أخرى مُشجعُ

ونحن في الصورتين فريسته

لينقضَ علينا في النهاية و يشبعُ

خرج الأعداءُ وما بقو

وبقي فتيلُ الحربِ بيننا مولعُ

أحكم الجاهليةِ نبغي

أم بحربِ داحسَ و الغبراءَ لم نسمعُ

أم نسينا قولَ خير البريةِ لا ترجعوا بعده

كفارا  يضربُ بعضكم رقاب بعض ويقطعُ


و بسرعة البرق تمضي الحياة

نص جميل خطر ببالي أدهلني ، تركت كل ما بيدي لأعيد صياغته وكأني  باليوم بدء  للتو ..... الساعة السادسة مساءً بسرعة بالكاد وصل يوم الاثنين ن...